======
في
ثورة الشاب اليمنية شاركت العديد من النساء في الثورة فقادت المظاهرات،
وشاركن في القرارات، وكن بالفعل جزءا مهما في استدامة حركة التغيير، والان
نحن على مشارف التحضير للحوار الوطني في ظل حكومة وحدة وطنية انتقالية،
ويخشى العديد من النساء أن الأطراف المتنافسة السياسية ستتوحد حول شيء واحد
فقط :اقصاء قضايا المرأة
======.
قبل ثلاثة أشهر من بداية الثورة وبالتحديد في 8 تشرين الثاني 2010، ألقي القبض على الناشطة في الحراك الجنوبي "زهرة صالح"
في مدينة عدن بمعزل عن أعين العالم الخارجي لمدة شهور دون الحصول على
محام. قالت زهرة لمنظمة العفو الدولية أنه "قبل إطلاق سراحها، أمرت على
التوقيع على بتعهد بوقف أنشطتها في الحراك الجنوبي وبالزواج، ورفضت القيام
به."
كانت
"زهرة" آنذاك حالة شاذة في مجتمع ذكوري حيث يظن الناس أن النشاط السياسي
مقتصر غالبا على الرجال. وقد كانت مصدر إلهام للكثير من الناشطات ومنذ أن
بدأت الثورة الشبابية في يناير 2011، تغير هذا التصور بخروج الآلاف من
النساء اليمنيات المتزوجات والعازبات الى الشارع؛ وأصبحت رؤية العدد
الهائل في الساحة على مدار ١٢ شهر رمزا من رموز نشاط المرأة، و نقطة فخر
للمواطنين اليمنيين.
جاءت
النساء من خلفيات مختلفة.، لسن فقط من أوساط النخبة الحضرية
المتعلمة، وإنما أيضا، كن مزيجا من نساء المناطق الحضرية والريفية، من
المتعلمات والأميات، من الغنيات والفقيرات اللاتي تضامنا مع الرجال
اليمنيين في الدعوة إلى الحرية. ومن ثم أصبحت ساحات التغيير بوتقة
للوعي والتعلم والتعليم والتواصل.
شاركت
المرأة عبر عدة طرق؛ كانت في الصفوف الامامية في الثورة، وكانت في مقدمة
المتطوعين في اللجان المختلفة في الساحات، قامت بجهد موصول في تمريض الجرحى
وطبخ الغذاء للثوار وتوثيق الثورة، وتشجيع أفراد أسرهم على الصمود في
الساحات. الكثير من الأمهات نزلن في ساحة التغيير مع أزواجهن وأطفالهن حيث
أدى نزول الأسر وتجمعها في الساحات العامة، ليلا ونهارا، إلى تحول كبير في
السلوك الاجتماعي، وبالذات لدى الذين ليسوا معتادين على الاختلاط في
الأماكن العامة كما يوضح كاريكاتير الفنان كمال شرف.
في
بداية الثورة كان هذا الاختلاط شائع وطبيعي في جو أخوي وعائلي رائع
المثال. وقد شجع الكثير من الآباء والإخوة والأزواج والأقارب نسائهم على
المشاركة. بعض المتطوعات في المستشفى الميداني، وغيرهن من المتطوعات نمن
في الساحات دون أولياء أمورهن الذكور، مما شكل تحديا للعادات المحرمة. و في
مجتمع تعتبر صورة المرأة على لوحات الإعلانات الكبيرة "عيب"، انتشرت صورة "توكل كرمان"
الحائزة على جائزة نوبل للسلام في جميع أنحاء الساحات حتى ان الرجال علقوا
صورها في خيامهم بكل بفخر. خلال تواجد النساء في الشوارع بدأن يعلن عن
اسمائهن بكل اعتزاز، وأصبحن يُعرفن من خلال نشاطهن وليس من خلال نسب
الأسرة، أو أقاربهن الذكور، فقبل المجتمع بهذا الظهور الجديد، على الرغم
من أن بعض العادات التقليدية في اليمن ما تزال تطلب من الرجال عدم الكشف عن
أسماء قريباتهم، والاقتصار على التحدث عنها باسم "العائلة"، إن لم تكن
"الحرمة" او "الشوفة".
ساهمت "شيماء الأهدل" في "مع انتفاضة المرأة في العالم العربي"
بنشر صورتها، وكتبت فيها : "انا شيماء الأهدل مع انتفاضة المرأة في العالم
العربي ،أخي يخجل من ذكر إسمي واسم أمي".تلقت مجموعة الفيسبوك" عددا كبيرا
من المساهمات من النساء اليمنيات تطالب بحقوهن، وركزت العديد من المداخلات
على إصلاح القطاع الصحي بسبب معدل وفيات الأمهات المرتفعة للغاية، والفجوة
بين الجنسين في معدلات التعليم، وانخفاض عدد المشاركة السياسية ، والأعراف
الاجتماعية.
إن
التعبير عن مطالب محددة تُعنى بـ "الجندر" -أو النوع الاجتماعي- وبحقوق
المرأة لم تكن أولوية للثوار لان العديد من الناشطات وضعن هذه الحقوق في
الإطار الثوري الواسع المعنيْ بالمساواة والعدالة. وظلت الناشطات تضع حقوق
المرأة في إطار المواطنة المتساوية حتى بعدما تعرض بعض الناشطات للضرب من
قبل المتشددين في الساحة، وحتى بعد سياسة الفصل بين الجنسين عن طريق بناء
الحائط الفاصل في ساحة التغيير بعد أشهر من الاختلاط، . وأشار مؤلفو تقرير أصوات قوية المشاركة السياسية للنساء في احتجاجات التغيير في اليمن أن وثيقة أهداف ومطالب الثورة السلمية
الذي صاغها الشباب المستقل" لم تتحدث عن أي من المطالب المحددة للنساء
التي صاغها التحالف الاخر "تحالف وطن – نساء من أجل السلم الاجتماعي"
وإنما أعربت وثيقة الشباب عن حقوق المرأة تحت مظلة المواطنة المتساوية.
الفترة الانتقالية
بعدما
بدأت المرأة تشعر بتقليص مشاركتها في العملية السياسية، وعدم إدراجها
بشكل أكبر في الاجتماعات المغلقة زاد عدد النساء التي تعبر بشكل اوضح عن
المطالب الخاصة بالمرأة خاصة لان النساء بشكل عام لم يشعرن بأي تغييرات
مباشرة في حياتهن اليومية وبالتحديد في القطاع الأمني. شهد العام الماضي
عددا كبيرا من النزوح الداخلي بسبب الصراعات المسلحة التي كان لها أثر سلبي
شديد على النساء. غالبية النساء اللاتي قابلتهن منظمة أوكسفام في تقرير
صدر مؤخرا بعنوان "لا يزلن في إنتظار التغيير"
قلن للمنظمة أنه على الرغم من تسلم السلطة الجديدة دفة الحكم، الا ان هناك
تدهور في حياتهن في مجالات الحصول على الغذاء وفرص العمل وتحسين الوضع
الأمني.
بدأت
الفترة الانتقالية عندما وقع الرئيس السابق علي عبد الله صالح المبادرة
الخليجية التي تضمنت نقل السلطة إلى نائبه عبد ربه منصور هادي الذي كان
نائبا للرئيس السايق مدة ١٨ سنة ، في مقابل الحصانة من الملاحقة
القضائية. ومنذ ذلك الحين فقد تم انشاء حكومة الوحدة الوطنية لفترة سنتين،
تنقسم بالتساوي بين المعارضة التقليدية أحزاب اللقاء المشترك والحزب الحاكم
السابق المؤتمر الشعبي العام. بدأت المرحلة الثانية من الفترة الانتقالية
بالإعداد للحوار الوطني ومن ثم عملية الإصلاح الدستوري.
إن المشاركة السياسية للمرأة في هذه الفترة الحرجة أولوية قصوى بالنسبة للنساء المتعلمات في المناطق الحضرية. في حين أن قرار مجلس الأمن رقم 2014 يدعو كافة الأطراف المعنية
"أن تكفل حماية النساء والأطفال وأن تعزز مشاركة المرأة في حل النزاع،
ويشجع كافة الأطراف على تيسير مشاركة المرأة مشاركة تامة وعلى قدم المساواة
على مستوى صنع القرار"، وبينما
تؤكد المبادرة الخليجية على مشاركة المرأة في الفترة الانتقالية وانه
ينبغي تمثيل المرأة ضمن جميع الأطراف المشاركة فإن غالبية النساء يشعرن أنه
قد تم إهمالهن. وبالتالي انعدام الثقة في الاحزاب التقليدية مما جعل
النساء يشعرن من أن الأطراف المتنازعة السياسية ستتوحد حول مسألة واحدة
فقط وهي اقصاء النساء.
بينما
تسلط المبادرة على أهمية دور المرأة بالنص إلا ان المبادرة تنص على "تمثيل
المرأة تمثيلا مناسباً" في حكومة الوحدة الوطنية، لكنها لا تنص على حصة
30 في المئة التي كان مطلبا اتفقت عليها الحركة النسائية، واكدت عليها
الحركة في المؤتمر الوطني للنساء في مارس 2012 والذي كان يهدف إلى توحيد
مطالب المرأة لإدراجها في عملية الحوار. ومن هنا، اعتبر البعض أن تعيين
ثلاثة وزيرات فقط في الحكومة تمثيل "مناسب" والبعض أشاد بأنها خطوة ناجحة.
كما ان اللجنة الفنية الهامة، التي شكلها الرئيس هادي لتحديد نطاق الحوار
الوطني المقبل، شمل أفراد ذوي الكفاءات العالية ومصداقية في الشارع، لكن
تمثيل المرأة في البداية كان 20 في المائة فقط. ثم في سبتمبر 2012، أصدر
الرئيس هادي قرار جمهوري بإضافة ستة أعضاء ذكور إلى اللجنة الفنية فسبب
تقليص التوازن وانخفاض نسبة النساء إلى 16 في المئة.
الحوار الوطني
ونظرا
لهذه المؤشرات السلبية و الخوف من ممارسات المتشددين ضد النساء في الساحات
فبطبيعة الحال يشعر كثير من النساء نوع من الاحباط حول التهميش، وقلق بشأن
الحوار الوطني المقبل. ولتخفيف بعض هذه المخاوف نشرت اللجنة الفنية مؤخرا مشروع النظام الداخلي وضوابط الحوار للمؤتمر الذي سيمتد على مدار ستة أشهر واكدت الوثيقة تواجد النساء في جميع اللجان.
وفي
28 نوفمبر 2012 قال جمال بن عمر، مستشار الأمم المتحدة الخاص حول اليمن
أنه تم التوصل إلى اتفاق لتسوية تخصيص مقاعد للحوار الوطني. ووفقا لتقارير
وسائل الاعلام، تم تخصيص 40 مقعدا (ما يمثل 7 في المئة من المقاعد 565)
"للنساء" ولكن تقريرا اخرا ذكر أن النساء سوف تمثل ب 30 في المئة. مما يعني
أنه قد يتم إدراج المرأة في المجموعات الأخرى مثل الأحزاب السياسية
والشباب الخ.
سيتم
تقسيم المؤتمر إلى 12 مجموعة عمل تقوم على مواضيع مختلفة بتواجد 30 مشاركا
في كل مجموعة. ويُلاحظ أن حقوق المرأة ليست واحدة من هذه المجموعات، وتم
فقط ذكر حقوق المرأة مرة واحدة على وجه التحديد تحت موضوع: الحقوق
والواجبات جنبا إلى جنب مع الشباب والأطفال والمهمشين وغيرهم. و لأنه تم
وضع قضايا المساواة بين الجنسين في سياق المواطنة المتساوية فقد غابت حقوق
المرأة تحت هذا الشعار الغامض. وعليه فسيكون الأمر متروكا للمشاركين لطرح
قضايا الجندر في كل مجموع، وهذا يعني أن عملية الاختيار، التي لا تزال
غامضة، أمر في غاية الأهمية من أجل التأكد من أن هذه القضايا ستكون على رأس
الأولويات السياسية، وخاصة في لجنة الإصلاح الدستوري، والتي سوف تكون
أساسا لحماية حقوق المرأة للسنين قادمة.
السؤال
الذي يطرح نفسه بالنسبة للنساء هو من الذي يمثلهن في هذا المؤتمر بدون
تحديد المعايير فكونها مجرد امرأة لا ينبغي أن يكون هو المعيار
الوحيد لتمثيل المرأة، لان ليس كل النساء معنيات بأولويات قضايا
النساء. عدم وضوح معايير اختيار المشاركين عائق كبير للمشاركة، لأنه يصعب
على الحركة النسوية أن تعد للمؤتمر قبل الموعد بدون معرفة المعايير المحددة
. هل سيتم اختيار المشاركات من الحركة النسائية على أساس الانتماءات
الجغرافية أو السياسية؟ إذا كان الأمر كذلك، ماذا سيحدث للنساء
المستقلات؟ وكيف يمكن للمرء أن يتعامل مع هويات متعددة.على سبيل المثال، لو
تم اختيار امرأة من عدن أو من صنعاء، من حزب التجمع اليمني للإصلاح أو
الاشتراكي فهل ستمثل المرأة حزبها، أو منطقتها؟ كل هذه الأسئلة لا تزال
تشكل تحديا للنساء.
تحديات
أخرى تشمل حقيقة أن المرأة اليمنية لا تزال تواجه تهديدات القذف،
والمضايقات من قبل القوى المتشددة أو السياسية في محاولة لإسكاتهن. عدم
وجود وسائل إعلام مستقلة تعني أن الجماعات في وسائل الإعلام تستخدم الصراع
لتسوية نزاعاتها، والنشطاء المستقلون رجالا ونساء يعانون في الوسط . كما
استخدم النظام السابق القذف لمنع النساء من الاحتجاج، فاليوم تستخدم نفس
حملات التشهير والافتراء في وسائل الإعلام ضد النشطاء والناشطات المستقلين.
فقد كفّر علماء متشددون الروائية والناشطة بشرى المقطري بسبب مقال كتبته
عما تعرضت هي وزملائها أثناء مسيرتهم من مدينة تعز إلى صنعاء ، مما جعلها
تقول للصحفية جودث سبيجل: "ان قتلهم لي يدخلهم الجنة".
من
الواضح أنه بدون الإدراج الحقيقي لحقوق المرأة في عملية التغيير فإن
الحوار محكوم عليه بالفشل. كما قالت الدكتورة شيلا كارابيكو: "مهما كانت
الحركة الاجتماعية رائعة هذا لا يعني أن النتيجة ستكون العدالة الاجتماعية
او الديمقراطية " ومع ذلك، على الرغم من العقبات المقبلة، يجب على المرء أن
لا يفقد الأمل. لقد أعطت الثورة صوتا للنساء، وعززت ثقتهن بأنفسهن،
وجعلتهن يؤمن بأن المستحيل ممكنا. "ينبغي الاعتراف بأن هذا بحد ذاته شيء رائع وحدث تاريخي هام اجتماعيا وثقافيا" أضافت الدكتورة بحق.